أیتھا المواطنات، أیھا المواطنون،
في ھذا الیوم الوطني للمجاھد تعود بنا الذاكرة إلى حدثین مفصلیین عرفتھما الثورة التحریریة المباركة في بدایتھا ضد الإستعمار الفرنسي الغاشم، وھما ھجمات الشمال القسنطیني لجیش التحریر الوطني في 20 أوت 1955 ، بقیادة الشھید البطل زیغود یوسف، ومؤتمر الصومام الذي انعقد في نفس الیوم والشھر من السنة الموالیة، بحضور صفوة من
قادة الثورة المسلحة.
وإذا كان الحدث الأول قد رسخ التلاحم بین المجاھدین وشعبھم حثى النصر، وأعطى لكفاحھم بعدا مغاربیا أملاه واجب التضامن مع الشعب المغربي الشقیق المطالب بعودة السلطان محمد الخامس من المنفى طیب الله ثراه، فإن الحدث الثاني عزز ھذا المكسب التاریخي بتعمیم وتنظیم الكفاح المسلح، مما أعطى نفسا جدیدا لجیش التحریر الوطني لتحقیق ھدف الإستقلال واسترجاع السیادة الوطنیة.
إن ھجومات الشمال القسنطیني واجھتھا قوى الإستعمار الغاشم على مدى أكثر من أسبوع، بروحھا الانتقامیة المعھودة، ضد المدنیین العزل دون تمییز، مستعملة كما فعلت في مجازر8 ماي 1945 ، المیلشیات وكل أنواع الأسلحة، حتی أن عدد الشھداء في ملعب مدینة سكیكدة تجاوز 10 ألاف شھید، دفنوا في مقابر جماعیة، وقد فضحت ھذه الجرائم مرة أخرى زیف شعار التمدین وتأخیر حدود الجھل الذي كان الإستعمار یخفي بھ ما یقترفھ من جرائم وحشیة ضد الشعب ترقی إلى جرائم ضد الإنسانیة، وكان لھذه الانتفاضة الشعبیة أثرھا البالغ في تدویل القضیة الجزائریة على مستوى الرأي العام الدولي حتى بلغ صداھا أروقة منظمة الأمم المتحدة في نیویورك وجلب لھا تأیید شرائح واسعة من الرأي العام الغربي وتأیید العدید من الدول في إفریقیا وآسیا بوجھ خاص، كما أنھا شكلت فرصة استغلھا القادة المیدانیون المجاھدون لاستخراج الدروس منھا في وضع استراتیجیة محكمة الأھداف والمراحل، حملت إسم میثاق الصومام لتعبئة الشعب وتنظیم صفوفھ وراء قیادة موحدة، وفي إطار بیان أول نوفمبر التاریخي.
وإنھا لمناسبة سانحة للترحم على أرواح ھؤلاء الشھداء الأبرار، وجمیع شھداء الثورة المجیدة، والمقاومة الشعبیة بكل أطوارھا، والتحیة كل التحیة لرفاقھم الأخیار الذین كتب الله لھم أن یعیشوا من بعدھم، معركة الجھاد الأكبر، قبل أن یلتحقوا بھم الواحد تلو الآخر، عاھدین بالأمانة إلى أبنائھم وأحفادھم. وإنھا لفرصة أیضا لتجدید وقوف الجزائر التي عانت من ویلات الاحتلال وأنواع الإبادة الجماعیة على مدى أكثر من قرن إلى جانب الشعوب المكافحة من أجل ممارسة حقھا في تقریر المصیر والحریة، وفي مقدمتھا الشعب الفلسطیني الشقیق، والشعب الصحراوي الشقیق.
أیتھا المواطنات، أیھا المواطنون
إن احتفالنا ھذه السنة بیوم المجاھد یزید في الإحساس بعبء المسؤولیة الملقاة على عاتق كل وطني صادق ینبض قلبه بحب الوطن لأن بلادنا تمر بظروف استثنائیة داخلیا وإقلیمیا وتحتاج إلى رص الجبھة الداخلیة، وتفجیر الطاقات الخلاقة، وتدفق الأفكار، لإنجاز مشروع التغییر الجذري الشامل المتمثل في تشیید جزائر قویة وعادلة بمؤسسات دیمقراطیة یتنافس فیھا الجمیع على قاعدة الكفاءة والتقاني في خدمة الصالح العام، ونكران الذات، وسمو الأخلاق، ولذلك، فإن المحطات التي تستحضر فیھا بطولات رجال ونساء صنعوا التاریخ –لئن کانت فرصة للمزید من الارتباط بأمجادنا، باعتبارھم مصدرا دائما للفخر والاعتزاز – فھي أیضا لحظات تأمل أمام كل وطني مخلص لمحاسبة النفس عما قدمت لھذا الوطن مقابل ما اخذتھ منھ، وتذكیر الأجیال الصاعدة بمسؤولیاتھا في إعلاء شأن الوطن والحفاظ علیھ، بدءا بالذاكرة الجماعیة التي یجب أن تظل حیة ناطقة بالأمجاد في كل زمان وفوق كل شبر من التراب الوطني، وإني ھنا، وبعد استرجاع رفات 24 من قادة المقاومة الشعبیة الأبطال في القرن التاسع عشر ورفاقھم الذین كانوا محتجزین في أقبیة المتحف الفرنسي بباریس، وإعادة دفنھم إلى جانب إخوانھم وابنائھم وأحفادھم من الشھداء والمجاھدین، بكل ما یستحقونھ من إجلال وتكریم على المستویین الشعبي والرسمي، أكرر إلتزامي بمواصلة ھذه العملیة حتى تحتضن تربتنا الطاھرة رفات جمیع شھدائنا المھجرین والمنفیین معززین مكرمین في وطنھم المستقل وبین ذویھم الأحرار، وان على العھد لباقون ما حیینا بإذن الله.
إنني أیتھا المواطنات والمواطنون، أدعوكم جمیعا بمناسبة إحیائنا لھذه الذكرى المزدوجة الغالیة علینا إلى طي صفحة الخلافات والتشتت والتفرقة من أجل الانخراط الكامل في معركة التغییر الجذري التي شرعنا فیھا بأبعادھا السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة، كما انخرط أسلافنا بالأمس في معركة التحریر الشامل، تارکین جانبا كل الحسابات الضیقة
والاعتبارات الشخصیة لتحقیق ھدف واحد وھو نھضة الجزائر العزیزة وإشعاعھا الإقلیمي.
عاشت الجزائر، حرة أبیة، سیدة
المجد والخلود لشھدائنا الابرار
والسلام علیكم ورحمة الله وبركاتھ