1/ البروفيسور عبد الرحمن بن جيلالي أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة الجيلالي بونعامة خميس مليانة عضو لجنة صياغة مقترحات مراجعة الدستور. يتأهب الجزائريون للتصويت يوم الفاتح لنوفمبر المقبل على الدستور الجديد الذي يحمل بعض المواد التي أثارت جدل واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي، ما هو رد الأستاذ عبد الرحمان بن جيلالي..؟
الجواب: باسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، أما بعد.
في حقيقة الأمر أن مستوى النقاش حول مواد مشروع التعديل الدستوري لم يرق إلى المستوى المطلوب، فنحن نرى من جهتنا أن مسألة وضع دستورا جديدا لما يسمى بالجزائر الجديدة قد تم إخراجها عن هدفها والحط من قيمتها، بعد أن أصبح الكل يتكلم في بعض المواد التي تضمنتها هذه الوثيقة والتي تم توجيه الرأي العام الافتراضي (صفحات مواقع التواصل الاجتماعي) إليها.
هذا الأمر راجع إلى دوافع سياسية؛ فالحزب الذي هاجم مسودة تعديل الدستور في أول ظهور لها إنما كان يبحث عن مكان في النظام السياسي الجزائري ظنا منه أنه سوف يسيطر على البرلمان في الانتخابات التشريعية المقبلة ومن ثم قيامه بتشكيل حكومة جديدة تتكون من مناضلي حزبه، لذلك عند مهاجمته للمسودة إنما كان هدفه الأول هو تكريس النظام البرلماني، وهذا العمل نسميه نحن بالفلاحة السياسية باعتبار أن النظام البرلماني يخدم الحزب لا الجزائر، لكن للأسف، فهذا الحزب وهو يعمل على رفض هذه المسودة لم يركز على هذه المسألة بالذات، بل ذهب إلى إطلاق حملة تشويه طالت مواد المسودة التي تهيج عواطف الشعب الجزائري باعتباره شعب غيور على دينه وهويته ولغته العربية ووحدة وطنه الجزائر، دون مناقشة قانونية متخصصة لتلك المواد حتى.
كما نؤكد على انحطاط مستوى مناقشة مواد مشروع التعديل الدستوري، لأنه طال حتى الحياة الشخصية والعائلية لأعضاء لجنة صياغة مقترحات مراجعة الدستور، ونخص بالذكر أساسا في هذا الإطار رئيس اللجنة البروفيسور أحمد لعرابة ومقرر اللجنة البروفيسور وليد العقون. وتم توجيه حملة تشويه مقيتة لهذه اللجنة في سبيل تكسير الهمة وإفشال الهدف الأساس وهو صياغة مواد دستورية تكفل الحقوق والحريات، وتكرس دولة القانون، وتضبط مستوى راق للعمل السياسي، ذلك المستوى الذي لم تستطع أن تصل إليه الأحزاب السياسية في الجزائر على مر الزمان.
ومما زاد الطينة بلة، أنه لم تتمكن حتى نخبة المجتمع الجزائري من أساتذة الجامعة وإطارات من شرح مواد المشروع بالشكل الذي يبين بوضوح ودقة نية المؤسس الدستوري، هذا الأمر لا يجعلنا نشكك في كفاءة ومستوى الأساتذة بطبيعة الحال، لكنه يجعلنا نشكك في النوايا والذهنيات، فلا ننس أن عضوية لجنة تعديل الدستور تسيل لعاب الكثير من الإطارات والأساتذة والسياسيين…
2/ الجدل خص بالتحديد ترسيم اللغة الأمازيغية وبعض مراحل تاريخ الجزائر، هل بإمكانكم شرح هاتين النقطتين؟
الجواب: الحقيقة الدستورية تؤكد أن تكريس الأمازيغية كلغة وطنية إنما كان ذلك في التعديل الدستوري لعام 2002، بعد ما سمي “بالربيع الأمازيغي”، ثم تطور الوضع إلى أن أصبحت لغة رسمية على مستوى التعديل الدستوري لعام 2016 في إطار المادة 4، وقد أدرج مشروع التعديل الدستوري هذا الشأن ضمن المادة 223 المتضمنة للمبادئ التي مسها الحظر الموضوعي. وعلى هذا الأساس يتبين أن تكريس الأمازيغية كلغة ضمن أحكام الدستور ليس وليد اليوم بل بدءا من تاريخ 2002.
ونؤكد من هذا المنبر، أن لجنة صياغة مقترحات مراجعة الدستور هي ليست بلجنة مستقلة، بل تابعة للسيد رئيس الجمهورية، باعتباره قد أنشأها بموجب مرسوم رئاسي، وهي لجنة صياغة فقط بحكم القانون، وقد أكد السيد رئيس الجمهورية بأنه لا مساس بأبعاد الهوية الوطنية، وهو ما صرح به كذلك في عدة مناسبات إعلامية، والأمر يتعلق هنا بالأمازيغية كأحد المحددات الثلاث للهوية الوطنية. لذلك أعتقد أنه ليس بإمكان الإرادة السياسية في الجزائر من أن تعمل على حذف الأمازيغية من مواد الدستور وهي قد قطعت أشواطا كبيرة في سبيل التكريس بدءا من تاريخ 2002. ونضيف في هذا الإطار أنه حتى الأحزاب السياسية والنخب والجمعيات الرافضة لهذا المشروع لم ترفض الأمازيغية صراحة أو ضمنا، علما أنه الحكم الذي جعل الكثير من فئات الشعب يرفض الدستور بسببه، وهذا الأمر يضاف إلى أزمة العمل السياسي عندنا في الجزائر.
ومن الناحية القانونية، وبتحليلنا لأحكام المادة 4 من دستور 2016 والتي بقيت على حالها في مشروع التعديل الدستوري الحالي نجدها قد نصت في الفقرة الأولى على أن: “تمازيغت هي كذلك لغة وطنية ورسمية. تعمل الدولة لترقيتها وتطويرها بكل تنوعاتها اللسانية المستعملة عبر التراب الوطني.” لتضيف في آخر فقرة من المادة 4 على أن: “يستند المجمع إلى أشغال الخبراء، ويكلف بتوفير الشروط اللازمة لترقية تمازيغت قصد تجسيد وضعها كلغة رسمية فيما بعد”. فيتضح من خلال هذه الفقرة أنه ليس بإمكان أن تصبح “تمازيغت” لغة في الظرف الراهن، ولا يمكن أن تكون كذلك إلاّ بناء على مراحل وجهد مضني من الخبراء ومجمع لغة تمازيغت، فيكون العمل الأساس هنا هو ترقية هذه اللهجة –كما يعترف بذلك الدستور ضمنا- إلى مستوى لغة لها قواعد وحروف معترف بها تشمل كافة التنوعات اللسانية المستعملة عبر التراب الوطني.
فيتبين من خلال هذا التحليل المقتضب، أن تكريس “تمازيغت” كلغة على مستوى الدستور –في الفقرة الأولى من المادة 4- ليس سوى عمل سياسي وليس علمي مستند إلى قواعد اللغة التي تقوم عليها أية لغة من لغات العالم، هذا العمل السياسي مفاده إبعاد الأمازيغية عن التأثيرات السياسية والتلاعبات والفلاحة السياسية، فإذا مرّ هذا المشروع يكون بذلك قد وضع حدا لهذه التلاعبات وبشكل نهائي.
وردا على السؤال، فإنه –نظرا لضعف مستوى النقاش حول مواد مشروع التعديل الدستوري كما أسلفت القول-، فإنه قد طغى الجانب السياسي على عملية المناقشة هذه –إن صحت كلمة مناقشة طبعا- ليتم توجيه الرأي العام والوعي السياسي في البلاد إلى مسائل بالغة الأهمية في حياة الجزائري وبشكل مشوه، والأمر هنا يتعلق أساسا باللغة وبتاريخ الجزائر القديم والحديث، لرفض المشروع في نهاية المطاف، ولا سبيل لهذا الرفض سوى بالتركيز على المسائل الحساسة طبعا.
3/ المسودة أنهت الاستغلال السياسي للثوابت الوطنية، هل تعتقدون أن هاته النقطة سوف تنهي المسار السياسي لبعض التشكيلات السياسية ؟
الجواب: من المؤكد أن الأحزاب السياسية ونظرا لفشلها السياسي الدائم– من منظوري الخاص- باعتبار أنها لا تمتلك برامج سياسية، ولا تعمل على تكوين مناضليها سياسيا، ولا يمكن أن تصبح مدارس سياسية، وأنها في حالة ترقب دائم وترصد لأهم القضايا المثارة في المجتمع فقط للمساندة سياسيا لنظام الحكم، أو للمعارضة التي تظهر في العلن وما خفي أعظم، سوف تتضرر من الأحكام الدستورية التي تضع حدا أمام استخدام ثوابت الأمة في الجدل السياسي والفلاحة السياسية، وتمنع وجود تشكيلات سياسية على أساس ذلك.
4/ الإسلام هو دين الدولة لكن مادة حرية المعتقد تحمل في طياتها تساؤلات وجدلا، ما هو رأيكم ؟
الجواب: تنص المادة 2 من الدستور على أن الإسلام دين الدولة، ويفهم من ذلك أن الإسلام ليس دين الأشخاص فقط، بل هو الدين الذي يمثل النظام العام في الجزائر، وعلى أساس ذلك فإن كل ما يتعلق بمعتقدات الأفراد وحرياتهم مرده الدين الإسلامي، ولا يجوز لهم بأي شكل من الأشكال بحكم الدستور وبحكم قانون العقوبات الاستهزاء به والخروج عن أحكامه.
غير أن أرض الجزائر لا تضم المسلمين بنسبة 100% فقط، بل هناك من الجزائريين من لهم معتقدات وديانات أخرى، وقد يتوافد على الجزائر أجانب لا يدينون بالدين الإسلامي قد تطول أيام إقامتهم في الجزائر وقد تكون في شكل زيارة رسمية أو دون ذلك. وعلى أساس ذلك وطبقا لأحكام الشريعة الإسلامية فإنه لا يمكن فرض الدين الإسلامي عليهم. وإذا كان عليهم ممارسة عباداتهم فإنما يكون ذلك في إطار القانون الذي نظم حرية ممارسة الشعائر الدينية والصادر عام 2006.
تنص المادة 51 الفقرة 2 من مشروع التعديل الدستوري على أن: “حرية ممارسة العبادات مضمونة وتمارس في إطار احترام القانون”. يتضح من خلال هذا النص أن القانون ليس له سلطان على الأفكار والمعتقدات وما يعتقده الفرد صحيحا أو دون ذلك، ما دام أن الأمر لا يتعدى حدود عقله وباطنه، أما إذا تعدى الأمر ذلك فينظم القانون حرية ممارسة العبادات الذي يصدر في إطار الدستور، علما أنه موجود منذ عام 2006، ولم يحدث أي ضجة أو جدل بعد صدوره. وعليه لا يستقيم النص بـــــ “حرية المعتقد” كما كان في النصوص الدستورية السابقة، بل قانونا يستقيم النص بعبارة “حرية ممارسة العبادة” الذي هو سلوك خارجي لما هو باطن “المعتقد”، فالقانون ينظم السلوك وليس العقول.
وفي حقيقة الأمر أن هذه الحرية ليست مطلقة بل هي مقيدة في إطار القانون، وهذا الأخير لا يمكنه أن يتعدى أحكام الدستور ليس في مفهوم المادة 51 فقط، بل في مضمون المادة 2 التي تؤكد على أن الإسلام دين الدولة، وهنا يمكن القول أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال انتهاك النظام العام في الجزائر تحت مسمى حرية ممارسة العبادة، ولا يمكن لغير المسلمين كذلك انتهاك أحكام الدستور والقانون. فمثلا يكون للمسيحي ممارسة عبادته لكن شريطة أن يكون في أماكن العبادة المخصصة لذلك قانونا، علما أن الكنيسة في الجزائر لن يكون لها وجود إلا بترخيص من الجهات الإدارية المختصة وتحت رقابتها. فإذا تعدى الأمر ذلك بأن أصبحت الممارسة في المنازل مثلا ووصل الأمر إلى حد التبشير والتنصير فسوف يقع مرتكبي هذه الأفعال تحت طائلة قانون العقوبات دائما.
فمن هذا المنطلق لا خطر على دين وقيم وثوابت الأمة الجزائرية ما دام أن النص القانوني يتدخل لينظم كيفية الممارسة وحدودها ورقابتها. فالأمر لم يتعدى حدود تنظيم الممارسة فقط، بل ولابد أن يتدخل القانون، فالطامة أن تترك حرية المعتقد دون ظابط لأنها باطنة في عقول الناس. ثم إن الأمر لم يصل إلى حد النص على الحق في الردة بتغيير الديانة مثلا، إنما هذه الحرية متعلقة بالأفراد غير المسلمين دون ذلك.
زيادة على ما تقدم في هذا الإطار لا ننس الحكم العام الذي تضمنته المادة 34 الفقرة 2 من مشروع التعديل الدستوري، حيث جاء فيها: “لا يمكن تقييد الحقوق والحريات والضمانات إلا بموجب قانون، ولأسباب مرتبطة بحفظ النظام العام والأمن، وحماية الثوابت الوطنية…”. فالمراد من ذلك أن كل الحقوق والحريات الواردة في هذا الفصل مقيدة من حيث ممارستها بضرورات حماية النظام العام والأمن والثوابت الوطنية التي تؤسس على أحكام الدين الإسلامي بالدرجة الأولى. فلا يصح دستوريا أن يتم تفسير نصا دستوريا بمعزل عن النصوص الدستورية الأخرى خاصة عندما تكون مترابطة بالشكل الذي تم توضيحه.
فعلا، لقد ثار جدل كبير حول هذا النص، لكن مثلما أسلفت القول أن الأمر أصبح نمطي ما دام قد تم رسم صورة نمطية ظلما وبهتانا حول لجنة البروفيسور أحمد لعرابة، فلو يتم الآن ترجمة أحكام الشريعة الإسلامية على مستوى كل مواد الدستور من طرف هذه اللجنة لتم رفضها تحت مسمى المساس بثوابت وقيم الأمة.
5/المسودة تحمل موادا تسير في فلك تدعيم الحقوق والحريات الفردية والجماعية، ما هو ردكم ؟
الجواب: فعلا، أكثر الفصول التي طالها ومسها التعديل هو الفصل الخاص بالحقوق الأساسية والحريات العامة، وهو أمر بديهي على اعتبار أن هذا التعديل الدستوري جاء ليترجم التغيير في نصوص قانونية، خاصة بعد حراك شعبي يحمل مطالب سياسية وليست اجتماعية أو اقتصادية بالدرجة الأولى. ولا يسعنا هنا إلاّ أن نُذكّر بأن دستور دولة القانون اليوم في الفقه الدستوري هو دستور الحقوق والحريات.
6/بعض النقاط في المسودة تتحدث عن فصل السلطات وتوازنها هل يمكننا معرفة شرح أوفر؟
الجواب: لقد حمل مشروع التعديل الدستوري الكثير من التغييرات مست بعض المواد الخاصة بالسلطة التنفيذية والتشريعية، وبشكل جذري السلطة القضائية.
أود في البداية الإشارة إلى أن التقسيم الجديد للسلطات في هذا المشروع أساسه التأكيد على أن رئيس الجمهورية ليس جزءا من السلطة التنفيذية وإن كانت الحكومة مسؤولة أمامه فإن ذلك مرده أنها المختصة بتطبيق برنامج رئيس الجمهورية، وأنها معينة من طرفه، إلا أن فكرة انتماء رئيس الجمهورية إلى السلطة التنفيذية أمر يجانبه الصواب، فلا ينفذ رئيس الجمهورية النصوص القانونية والمراسيم وهو أمر مكرس منذ الاستقلال في إطار الدساتير المتعاقبة، لذا التقسيم الجديد للسلطات في هذا التعديل يعبر على دقة تقنية دستورية في وضع أحكامه. ومن هنا نقول أن رئيس الجمهورية يملك السلطة السامية، فهو ينتخب بالاقتراع المباشر من طرف كل الشعب الجزائري على مستوى كل الولايات، وهو مجسد لإرادة الشعب، ويجسد وحدة الأمة وإرادتها، يحمي الدستور ويحافظ على الوحدة الوطنية…
أما السلطة التنفيذية فهي بيد الحكومة التي ينبغي أن لا تهيمن باختصاصاتها الدستورية على البرلمان والقضاء، ولهذا تجد أن المشروع قد أسقط وزير العدل والنائب العام لدى المحكمة العليا التابع له بالإضافة إلى محافظ مجلس الدولة من عضوية المجلس الأعلى للقضاء، وتم الرفع من عدد قضاة الحكم (القضاء الجالس) في سبيل تدعيم استقلالية القضاء. أما البرلمان فهو صاحب سلطة التشريع، والقضاء صاحب سلطة الفصل في المنازعات.
الحقيقة أن المشروع لم يذهب بعيدا في مسألة تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، لكن هذا الأمر ليس كما يفهمه البعض؛ فلو نأخذ على عاتقهم لجعلنا من رئيس الجمهورية مديرا لمدرسة ابتدائية، فالمسألة هنا لا تطرح اتجاه الحكومة، والأمر هنا لا يتعلق بسلطة التعيين في الوظائف، فللعلم نؤكد أن هناك جانب كبير من الفقهاء الدستوريين من يفضل مبدأ أحادية السلطة التنفيذية بوضعها بيد رئيس الدولة، وعليه ما دام أن الحكومة مسؤولة أمام رئيس الجمهورية سواء من حيث تنفيذ برنامج الأغلبية الرئاسية أو من حيث تعيينه فلا يمكن الكلام هنا عن هيمنة رئيس الجمهورية على الحكومة برئيسها الوزير الأول أو رئيس الحكومة.
إنما مسألة تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية اتجاه البرلمان و القضاء هي التي لم تأخذ حظها من التكريس في هذا المشروع، وهو الأمر الذي يتعلق بتدعيم مبدأ الفصل بين السلطات، ونخص بالذكر هنا أساسا اختصاص رئيس الجمهورية بالتشريع بأوامر؛ فبعدما قلص هذا الاختصاص في المسودة الأولى بحذف صلاحية التشريع بأوامر خلال العطل البرلمانية عاد المشروع ليعود إلى الأحكام الأولى الخاصة بالتشريع بأوامر كما هو مكرس في التعديل الدستوري 2016. كما أنه لم يتم الاستغناء عن الثلث الرئاسي المعين في مجلس الأمة.
وبالنسبة للسلطة القضائية، وإن خطت الأحكام الدستورية المضمنة في المشروع خطوات كبيرة جدا اتجاه تكريس مبدأ استقلالية القضاء، إلا أنه بقي رئيس الجمهورية رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء، لكن لا ضير في ذلك ما دام أن الواقع يؤكد على أن رئاسة اجتماعات المجلس الأعلى للقضاء كانت من طرف وزير العدل في السابق، والآن وبعد إسقاطه من عضوية المجلس سوف يكون رئيس المحكمة العليا الرئيس الفعلي للمجلس الأعلى للقضاء، وهنا ندحض الفكرة التي يتداولها البعض ممن يسمون أنفسهم بأساتذة القانون الدستوري والمختصين القائلة بأن رئيس المحكمة العليا تابع لرئيس الجمهورية ما دام أن هذا الأخير هو من يقوم بتعيينه، غير أن النص الدستوري المكرس في هذا المشروع على خلاف ذلك، فقد نصت المادة 181 الفقرة 2 على أنه: “يتم التعيين في الوظائف القضائية النوعية بموجب مرسوم رئاسي بعد رأي مطابق للمجلس الأعلى للقضاء”. فيفهم من خلال هذا النص أن رئيس الجمهورية مجبر بالأخذ بالتعيينات التي يراها المجلس الأعلى للقضاء اتجاه الوظائف القضائية النوعية والتي من بينها رئيس المحكمة العليا، ولا يجوز له دستوريا الخروج عنها.
7/ هل قامت لجنة العرابة بتقييم الدساتير السابقة التي مرت على الجزائر؟
الجواب:أعتقد أن حجم التعديلات الكبيرة التي طالت معظم أحكام الدستور الحالي 2016، وشكل الأخطاء التقنية التي حملتها المسودة الأولى –علما أنه لم نكن قد انتهينا من عملنا آنذاك- دليل على أن مشروع التعديل الدستوري مجهود خالص للجنة صياغة مقترحات مراجعة الدستور، دونما العمل بأسلوب مجارات دساتير دول معينة في أحكامها، أو بالاقتباس منها.